أحكام وآداب قراءة القرآن

أحكام قراءة القرآن الكريم: أهمية التلاوة وآدابها

القرآن الكريم هو الكتاب المقدس في الإسلام، والذي أنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليكون هداية للبشرية كافة. فهو كلام الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو المصدر الأول للتشريع الإسلامي. وقد كان له دور كبير في حياة المسلمين من خلال تلاوته وتدبر معانيه والعمل بأحكامه. ومن هنا تبرز أهمية التلاوة الصحيحة للقرآن الكريم، التي تعد من العبادات الكبرى التي يقرب المسلم إلى الله تعالى ويحقق له سعادة الدنيا والآخرة.

لكن تلاوة القرآن الكريم ليست مجرد كلمات تُنطق بالألسن، بل هي فعل عبادي يتطلب الإلمام بعدد من الأحكام والآداب التي ينبغي على المسلم الالتزام بها كي تنطبق التلاوة على السنة النبوية الصحيحة، ويجني المسلم منها الثواب العظيم.

1. الطهارة قبل القراءة

من أهم الأحكام المتعلقة بقراءة القرآن الكريم هو الطهارة. فقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “لا يمس القرآن إلا طاهر”، وهذا يدل على أن المسلم يجب أن يكون على طهارة قبل أن يبدأ بتلاوة القرآن الكريم. وهذا يشمل الوضوء من الحدث الأصغر والاغتسال من الحدث الأكبر، إضافة إلى الطهارة من النجاسات الجسدية.

2. النية أثناء التلاوة

النية من شروط صحة التلاوة، فمن المهم أن يتوجه المسلم إلى تلاوة القرآن بنية العبادة والتقرب إلى الله تعالى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بالنيات”، لذلك يجب على المسلم أن ينوي في قلبه أن التلاوة هي عبادة خالصة لله تعالى، ويبتعد عن التلاوة لأغراض دنيوية مثل القراءة لتسلية الوقت أو لزيادة المعرفة دون تطبيق للمعاني.

3. الاستعاذة والبسملة

قبل أن يبدأ المسلم بقراءة القرآن، ينبغي عليه أن يقول “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم” للتحصن من وساوس الشيطان التي قد تشتت انتباهه أثناء التلاوة. وقد أكد العلماء على ضرورة الاستعاذة في بداية القراءة خاصة في بداية السور التي تبدأ بـ”بسم الله الرحمن الرحيم”، لأن الاستعاذة تساهم في تطهير القلب والروح من شر الشيطان. أما إذا بدأ المسلم بقراءة سورة أو جزء من القرآن لا تبدأ بـ”بسم الله”، فلا داعي للاستهلال بالبسملة.

4. القراءة بتأني وحسن الصوت

من الأداب المستحبة في قراءة القرآن الكريم هي أن يقرأ المسلم القرآن بتأني، أي ببطء ودون عجلة، بحيث يستطيع أن يتدبر الآيات ويفهم معانيها. كما يُستحب أن يحسن المسلم صوته في التلاوة، فيجتهد أن يُظهر جمال الصوت ويهتم بأحكام التجويد. وفي هذا السياق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “زينوا القرآن بأصواتكم”، وهذا يشير إلى أن الصوت الجميل الذي يظهر في تلاوة القرآن يعتبر من الأعمال المستحبة التي تكمل التلاوة وتعطي لها بُعدًا روحيًا عميقًا.

5. التجويد وأحكامه

التجويد هو علم يختص بدراسة كيفية نطق الحروف في القرآن الكريم مع مراعاة صفاتها وبيان المخارج الصحيحة لها. تعلم التجويد من الأمور الضرورية التي ينبغي أن يسعى المسلم لإتقانها، لأن نطق الحروف بطريقة غير صحيحة قد يؤدي إلى تغيير المعنى المقصود. على سبيل المثال، الحروف التي تختلف في مخرجها أو صفاتها مثل الحروف القلقلة، يجب أن تُنطق بطريقة واضحة بحيث لا يختلط الصوت.

أحكام التجويد تشمل عدة قواعد، منها:

• إظهار الحروف: مثل حرف “ق” و”ك” التي يجب أن تظهر بوضوح عند التلاوة.

• الإقلاب: أي تغيير مخرج الحرف في حالة وقوعه في بعض الحروف المتشابهة، مثل حرف “م” عندما يأتي قبله حرف “ب”.

• الإخفاء: يتم إخفاء بعض الحروف بحيث لا تكون واضحة أو غامضة.

• التفخيم والترقيق: بعض الحروف يجب أن تُنطق بتفخيم مثل “ص”، بينما يجب ترقيق الحروف الأخرى.

6. التدبر والتفكر في المعاني

من أهم الأحكام التي يجب على المسلم الالتزام بها أثناء قراءة القرآن الكريم هو التدبر والتفكر في معاني الآيات. فالقراءة ليست مجرد لفظ، بل هي وسيلة لتأصيل الإيمان في القلب وتقوية العلاقة بالله سبحانه وتعالى. ولذلك، يُستحب أن يقرأ المسلم القرآن بخشوع وتفكر في معانيه العميقة، كما يقرأ الآية أكثر من مرة إذا احتاج ذلك، حتى يعي مغزاها ويؤثر في نفسه.

وقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} (محمد: 24)، مما يدل على أهمية التدبر في فكر المسلم خلال تلاوته للكتاب العظيم.

7. الوقوف عند آيات الأحكام والآيات التي تحث على العمل

من الأمور التي يجب مراعاتها عند قراءة القرآن هي الوقوف عند آيات الأحكام. عند تلاوة آيات تتعلق بالفرائض أو الأمور التي يترتب عليها حكم شرعي، ينبغي على المسلم التوقف والتفكير فيها بعناية والتأمل في تطبيقها في حياته العملية. مثل الوقوف عند آية الطهارة أو الصلاة أو الزكاة، وامتثال ما جاء فيها من أوامر ونواهي.

كذلك يجب على المسلم أن يتأمل في الآيات التي تحث على العمل الصالح، مثل آيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث يعمل على تطبيق هذه المبادئ في حياته اليومية.

8. الخشوع في الصلاة أثناء القراءة

عندما يقرأ المسلم القرآن الكريم في الصلاة، يجب عليه أن يكون في حالة من الخشوع التام. والخشوع في الصلاة يعنى أن المسلم يكون في حالة من الانتباه الكامل للآيات التي يقرؤها، ويكون قلبه حاضرا في معاني الكلمات، مما يزيد من تأثره الروحي والذهني أثناء الصلاة. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون} (المؤمنون: 1-2)، وهذا يدل على أن الخشوع في الصلاة جزء لا يتجزأ من قبول التلاوة وأداء العبادة.

9. عدم قطع التلاوة إلا عند الحاجة

يجب على المسلم أن يحرص على عدم قطع تلاوته للقرآن الكريم إلا في حالات الحاجة، مثل الرد على شخص يسأل أو إذا استدعت حالة صحية أو اجتماعية معينة التوقف. لكن يجب أن يحرص على العودة إلى التلاوة بعد ذلك ليكملها، ويجب أن يكون التوقف مدروسًا بحيث لا يفوت المسلم جزءًا كبيرًا من التلاوة.

10. فضل تلاوة القرآن في رمضان

من أعظم الأوقات التي يُستحب فيها تلاوة القرآن الكريم هو شهر رمضان. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من تلاوة القرآن في هذا الشهر المبارك، حيث يتحقق فيه الأجر العظيم والثواب المضاعف. وفي الحديث الصحيح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قرأ القرآن في رمضان فله أجر عظيم”. وعليه، من المهم أن يستغل المسلم هذا الشهر المبارك في قراءة القرآن الكريم بقدر المستطاع.

11. القراءة في حال السفر أو التعب

من الأمور التي تيسر تلاوة القرآن الكريم للمسلم هي أن يُتاح له الوقت والمكان المناسبين للقراءة. وفي حال كان المسلم مسافرًا أو في حالة تعب، يجوز له أن يقرأ القرآن على أي حال سواء كان في وقت فراغ أو في ظل ظروف صعبة، مع الحفاظ على النية الصافية في التلاوة.

12. مراعاة حقوق القرآن على المسلم

القرآن له حقوق يجب على المسلم أن يحترمها، منها:

• حفظه في القلب والعمل به في الحياة.

• تدبر آياته وتطبيق أحكامه.

• المحافظة على نظافة المصحف وألا يُمس إلا في حالة الطهارة.

يجب على المسلم أن يحرص على احترام هذا الكتاب العظيم ليؤتي ثمرته في الدنيا والآخرة.

تعتبر قراءة القرآن الكريم من أسمى الأعمال التي يمكن للمسلم القيام بها، فهي تؤدي إلى تقوية إيمانه، وتساعده على فهم أحكام دينه، وتمنحه السكينة والطمأنينة. لذلك، يجب على المسلم أن يحرص على تلاوة القرآن بالطريقة الصحيحة والمناسبة، متبعًا جميع الأحكام والآداب المتعلقة بذلك.